ين يانج: محاولة للتوازن

ين يانج: محاولة للتوازن

يعتمد الطب الصيني التقليدي على ما يُسمى اليوم “الطب البديل”، الذي ما
زال غيرَ معترف به في بعض الدول، ربما لأنه أصبح ميدانا كثر فيه المتطببون
على أوجاع الناس والمقتاتون على أحلام الشفاء، وربما لأنه صار يخطف الأضواء
بعيدا عن الطب الحديث وأطبائه. بل إن بعض تطبيقات الطب البديل تثير جدلا
حول شرعيتها، لأنها تصدر أحيانا عن عقائد أغلبها وثني. الإبر الصينية مثال
يصلح للاستشهاد، فهي -في الأصل- تعتمد على مفهوم طبي طاوي، والطاوية عقيدة
وثنية فيها الإيمان بثنائية الحرارة والبرودة” ين يانج Yin Yang” التي
يُرمز لها بهذه الصورة الدائرية التي تُشاهد أحيانا في عيادات الطب الشعبي
الصيني.

فلسفة الين يانج هي مثال على الفلسفات الوثنية التي تؤمن بثنائيات
مختلفة تسري في الكون وتحكم ما يجري فيه، لا يكون توازن الحياة ولا الأراوح
ولا الأجساد إلا بهما. بعض الأديان تؤمن بتأثير ثنائية الظلام والنور، وفي
بعضها الماء والنار، وغيرها السماء والأرض، وهناك الأنثى والذكر… وفي
الطاوية الحرارة والبرودة. فإن اشتد تصارع الثنائي أو بغى أحدُهما على
الآخر كان الاضطراب والاختلال.

في التطبيقات الطبية لفلسفة “ين يانج”؛ يظل نعيم أرواحنا وعافية أجسادنا
رهنا لتوازن حرارتنا مع برودتنا. وأعتقد أن هذا مُشاهد إلى حدٍ ما، وهو
مما يعتمد عليه الطب البديل، وأذكر -إن لم أكن واهما- أن في كتاب الطب
النبوي لابن القيم تعبيراتٍ من هذا القبيل.

مالذي تقوم به الإبر الصينية؟ إن المُعالِج يتتبع بالوخز نقاطا محددة
لمسارات الحرارة والبرودة في الجسم؛ حسب طبيعة المرض وتقدير المُعالج. فإن
لم يكن وخزٌ بالإبر فضغط بالتدليك أو حجامة بالمشرط. فالمؤمن بالطاوية -وهم
قليل اليوم- فيسعى بوخزات الإبر للتناغم مع الكون لتُعافيه “ين يانج”،
وأما المؤمن بالله الأحد الصمد فيوقن أن أسباب الشفاء هي من علم الله
المُشافي سبحانه الذي علّم الإنسان ما لم يعلم، وأن الله سبحانه خالق الجسد
وحرارته وبرودته.. وحده لا شريك له.. وأن هذه الأسباب تنفع بإذن الله.

هناك تأثير ملموس لاستخدام الإبر الصينية، وهناك مشاهدات دقيقة لتأثير
برودة الجسم وحرارته على عافيته، وبعضها في كتب المسلمين المتقدمين. ثم إنه
-على كثرة تجربتي للأبر الصينية- لم يُحدثني أحد الأطباء الصينين عن أي
بُعدٍ عقدي للعلاج إلا حين سألتهم عن جذور هذه الطريقة، وإلا فإن شروحاتهم
طبية بحتة، وكل ما قيل أعلاه عن الطاوية إنما هو محاولة للتفصيل في
الموضوع بالرجوع إلى التاريخ لا بوصف الحال الراهن.

إذا كان مفهوم “ين يانج” يرنو إلى التوازن بين حرارة الجسم وبرودته فإن
النظر للطب البديل -أو أي مفهوم جدلي- يحسن أن يكون نظرا متوازنا أيضا.
ولأن كلمة التوازن صارت مطاطة جدا ومستهلكة جدا فإنني أتوقف هنا وأترك
الميزان لك.

جزاكم الله خيراً